قال الأستاذ (ص ١٠٥): «روى الحافظ أبو الوليد ابن الفرضي عن أبي القاسم أصبغ بن خليل القرطبي الذي دارت عليه الفتوى في مذهب مالك [١/ ٢١١] خمسين عامًا وتوفي سنة ٢٧٣ أنه قال: لَأَنْ يكون في تابوتي رأسُ خنزيرٍ أحبُّ إليَّ من أن يكون فيه «مصنف ابن أبي شيبة»»!
أقول:«مصنف ابن أبي شيبة» مشتمل مع أحاديث صحاح على ضعاف، وعلى أقوال مختلفة محكية عن بعض الصحابة وبعض التابعين وبعض من بعدهم، والظنُّ بأصبغ أنه لم يقصد ذمَّ الأحاديث، كيف وكان هو يروي «الموطأ» وغيره؟
وبعدُ، فماذا على المالكية من أصبغ هذا، وقد كذَّبه أجِلَّتُهم كالقاسم بن أصبغ وابن الفَرَضي وعياض! ودوران الفتوى عليه إنما هو نتيجة أن العامة كانوا حريصين على الجمود على أقوال ابن القاسم صاحب مالك، والدولةُ موافقةٌ لهم على ذلك، وكان هو عارفًا بها جامدًا عليها. وفي المالكية من حفَّاظ الحديث والمتَّبعين له ــ إذا خالفه المنقول في مذهبهم ــ عددٌ غير قليل، لعلهم يَفْضُلون بذلك على بعض أصحاب المذاهب الأخرى!
ومَن تأمَّلَ حالَ كثيرٍ من علماء المذاهب رأى أن كثيرًا منهم قد تكون حالهم عند التحقيق شرًّا من حال أصبغ. وذلك أنهم يُظهرون التديُّنَ بقبول الحديث وتعظيم «الصحيحين»، ويزيد بعضُهم ــ حتى من أهل عصرنا هذا ــ فيقول: إن الحديث إذا كان في «الصحيحين» أو أحدهما فهو مقطوع بصحته، فإذا جاؤوا إلى حديث مخالف لمذهبهم حرَّفوه أقبحَ تحريف (١).
(١) لعله من أشار إليه المؤلف في قسم الفقهيات من هذا الكتاب (٢/ ٢٢٦ - ٢٢٧) وانظر التعليق عليه هناك.