الشارح (١) بعد قوله: الأحد: «أي: المعرَّف باللام الذي لم يُقصد به العدد المركب كالأحدَ عشرَ ونحوه». ثم قال الشارح أخيرًا:«وهو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر. وقيل: أحديته معناها أنه لا يقبل [٢/ ٢٩٠] التجزِّي لنزاهته عن ذلك. وقيل: الأحد الذي لا ثاني له في ربوبيته، ولا [في] ذاته، ولا في صفاته».
أقول: فالظاهر أن «وَحِد وأحد» الذي قالوا: إنه بمعنى لا يُعرف نسبُه وأصلُه، إنما حقيقته أنه بمعنى: منفرد. ثم لوحظ فيه التقييد، أي:«منفرد عمن يكون من نسبه وأصله»، أي لا يوجد من يكون نسيبًا له. ولكن لما كان هذا ممتنعًا في الرجل، إذ لابد في غير آدم وعيسى من أن يكون له أب، ويغلب أن يكون له عم وابن عم وإن بعد وغير ذلك، وإنما غايته أن لا يَعرف نسبَه وأصله= عبَّروا بهذا. والمعنى الحقيقي ثابت لله تبارك وتعالى، فإنه لا نسيبَ له ولانسبَ البتة. وبهذا يتضح موافقة سبب النزول، وهو قول المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: انسُبْ لنا ربَّك. ولما كان هذا الوصف قد يطلق على غيره تعالى، بمعنى أنه لا يُعرف نسبه، وقد يطلق على آدم بمعنى أنه لا أب له وإن كان مخلوقًا من الطين، وكذلك عيسى وإن كان له نسب من جهة أمه، ونحو هذا يقال في الملائكة وأبي الجان= لما كان الأمر كذلك قيل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)}، ولم يقل:«الأحد». وأكَّد ذلك أن المشركين لما قالوا: انسُبْ لنا ربَّك، اقتضى ذلك أنهم يزعمون أن الله عز وجل ليس أحدًا بذاك المعنى، بخلاف «الواحد» في الربوبية، فإنهم يعترفون به كما تقدم. وهذا المعنى هو المناسب لسبب النزول كما مرَّ، ومناسبته للسياق واضحة أيضًا.