للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانوا في البعد عن الكذب بحيث نرى أنه يستحيل عليهم أن يتعمَّدوه.

ومع ذلك، فإن أئمة الحديث كانوا لا يكادونَ يقنَعون بالعدالة الظاهرة حتى يسألوا عنه، ويتتبعوا سيرته. قال الحسن بن صالح (١): [كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل سألنا عنه حتى يقال لنا: أتريدون أن تزوِّجوه؟].

وإذا علموا حسن سيرته لم يكتفوا بذلك حتى يختبروا حديثه، فيسألونه عن الحديث مرة بعد أخرى. قال شعبة (٢): [سمعت من طلحة بن مصرّف حديثًا واحدًا، وكنتُ كلما مررتُ به سألته عنه. فقيل له: لِمَ يا أبا بسطام؟ قال: أردتُ أن أنظر إلى حفظه، فإن غيَّر فيه شيئًا تركتُه].

ثم لا يكتفون بذلك حتى يعتبروا حديثه، فلا يعتمدونه حتى يجدوا أن غيره من الثقات قد روى عن شيخه مثل ما روى، أو أن غير شيخه قد روى عن شيخ شيخه كما روى.

ثم لا يَقْنَعون بذلك في حديث أو حديثين، بل لا يُقنِعهم منه إلا أن يكون ذلك في أحاديث كثيرة، بحيث يستقر في أنفسهم أن الصدق والضبط ملكة له.

على أن غالب الأحاديث الصحيحة طرقها متعددة.

ومنهم: بعض الفرق الغالية، كالخوارج والروافض، فإن هؤلاء يزعمون أن مخالفيهم كفَّار؛ فلا تقبل روايتهم.

والجواب عن هذا معروف.


(١) بعده بياض في الأصل، والنصّ في "الكفاية" (ص ٩٣).
(٢) بعده بياض في الأصل. والنصّ في "الكفاية" (ص ١١٣).