للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظير ذلك شهادة العَدْلَين على أمر، هي في نفسها تفيد الظَّن، لكن وجوب الحكم بها قطعي، فلم تُغْن من الحق شيئًا من حيث هي ظنٌّ، بل من حيث إنَّ وجوب العمل مقطوع به، وهكذا خبر الواحد بشَرْطه.

وأمَّا التَّفصيل فإذا قال: أنا أراه حسنًا، قيل له ــ مع ما تقدَّم ــ: هل ترى أنَّ للإنسان أن يجزم في كلِّ (١) ما يراه حسنًا أنَّه من الدِّين الذي بلَّغَه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ربِّه؟ وقد قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: ٥٣]، وقال سبحانه: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤]، وقال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: ٨]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "من استحسن فقد شَرَّع" (٢). نقله المحلِّي في "شرح جمع الجوامع" وغيره (٣)، وزاد فيه بعض


(١) في الأصل: "فيما كل"، وهو سبق قلم.
(٢) بتشديد الراء وتخفيفها، يُنْظَر: "حاشية البنَّاني على شرح المحلِّي لجمع الجوامع" (٢/ ٣٥٣)، و"حاشية العطَّار" عليه (٢/ ٣٩٥).
(٣) "شرح جمع الجوامع" (٢/ ٣٥٣). وقد ذكره الغزالي في "المستصفى" (٢/ ٢٦٧)، و"المنخول" (ص ٣٧٤)، وغيرُه.
وكأنَّ هذه العبارة تلخيصٌ من بعض العلماء لقول الشافعي في "الأم" (٦/ ٢٠٠): "ومن قال هذين القولين قال قولًا عظيمًا؛ لأنَّه وَضَع نفسه في رأيه واجتهاده واسْتِحْسانه على غير كتابٍ ولا سنَّة موضعهما في أن يُتَّبع رأيُه كما اتُّبعا .. ".
قال العطَّار في "حاشيته على شرح المحلِّي" (٢/ ٣٩٥): "قال المصنِّف في الأشباه والنَّظائر: أنا لم أجد حتى الآن هذا في كلامه نصًّا، ولكن وجدتُ في الأمِّ: أنَّ من قال بالاستحسان فقد قال قولًا عظيمًا .. الخ" وأشار إلى ما تقدَّم نقله.