للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحوال الرواة ورواياتهم. وقد يقال: إنّها فتوى لأنّها خبر عمّا أدّى إليه النظر والاجتهاد، وهو إن لم يكن حكمًا شرعيًّا فتُبنى عليه أحكام شرعية كما لا يخفى.

والأقرب أنّها خبر أيضًا.

وأمّا المسلك الثالث: فقد شرحت في "رسالة الاحتجاج بخبر الواحد" (١) بعضَ ما ظهر لي من الحكمة في أنّه لا يكفي في الزنا أقلّ من أربعة شهود، وفي الدماء وغيرها بشاهدين، وفي الأموال بشاهد ويمين المدَّعِي عند قوم، والاكتفاء في الخبر بواحد. والذي يظهر من ذلك: أنّ تعديل الشاهد كالشهادة بالدماء ونحوها في أنه لا يكفي إلا اثنان، وأنّ تعديل المخبر كالخبر.

وعلى كلّ حال فخبر من عدَّلَه اثنان أرجح من خبر من لم يعدِّله إلا واحد، وإن قامت الحجةُ بكلٍّ منهما، والله أعلم.

[ص ٥٩] هذا كلّه حال المعدِّل، فأمّا الجارح فشرطه: أن يكون عدلًا، عارفًا بما يوجب الجرح إن جَرَح ولم يفسِّر، وقلنا بقبوله. واشترط بعضُهم أيضًا أن لا يكون بينه وبين المجروح عداوة دنيوية شديدة، فإنها ربما أوقعت في التحامل، ولا سيّما إذا كان الجرح غير مفسّر. وزاد غيره: العداوة الدينية، كما يقع بين المختلفين في العقائد، وقد بسطتُ القولَ في ذلك في "النقد البريء" (٢).


(١) (ص ٢٨ فما بعدها).
(٢) هذا العنوان القديم لكتاب "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل". وانظر البحث فيه: (١/ ٨٧ - ٩٨).