للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حفظ علماء السلف لتراجم الرجال]

كان الرجل لا يسمى عالمًا حتى يكون عارفًا بأحوال رجال الحديث؛ ففي "تدريب الراوي" (١): "قال الرافعي وغيره: إذا أُوصيَ للعلماء لم يدخل الذين يسمعون الحديث، ولا عِلْم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة ... وقال الزركشي: أما الفقهاء؛ فاسم المحدِّث عندهم لا يُطلق إلا على من حفظ متن الحديث، وعَلِم عدالةَ رواته وجرحها ... وقال التاج السبكي: ... إنما المحدِّث مَن عَرَف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال ... ".

وذَكَر عن المِزِّي أنه سُئل عمن يستحق اسم الحافظ، فقال: "أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم؛ ليكون الحكم للغالب" (٢).

فكان العالم يعرف أحوال من أدركهم؛ إما باختباره لأحوالهم بنفسه، وإما بإخبار الثقات له، ويعلم أحوال من تقدمه بإخبار الثقات، أو بإخبار الثقات عن الثقات، وهكذا، ويحفظ ذلك كله، كما يحفظ الحديث بأسانيده، حتى كان منهم من يحفظ الألوف، ومنهم من يحفظ عشرات الألوف، ومنهم من يحفظ مئات الألوف بأسانيدها (٣).

فكذلك كانوا يحفظون تراجم الرواة بأسانيدها، فيقول أحدهم: أخبرني فلان أنه سمع فلانًا قال: قال فلان: لا تكتبوا عن فلان فإنه كذاب، وهكذا.


(١) (١/ ٣٠ - ٣٥).
(٢) المصدر نفسه (١/ ٣٧).
(٣) انظر مقدمة "تدريب الراوي". [المؤلف].