للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يحصل قطعًا لكل مكلَّف أصغى للحجة. فإذا قَبِل الإنسانُ الشرع وامتثل أوامره مع صدق رغبةٍ في الحق هيَّأ الله تعالى له اليقين بما شاء، إن لم يكن بدليل واحد فبمجموع أدلة كثيرة، وفوق ذلك العناية. قال تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢].

وقال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: ١٤].

كلمة "لمَّا" تؤذِن بأن المنفيّ بها هو بصدد أن يثبت قريبًا، فهذا وعد من الله عز وجل بأن يُدْخِل الإيمان في قلوبهم جزاء لقبولهم الإسلام.

وقوله: {وَإِنْ تُطِيعُوا ... } قال بعض أهل العلم: المعنى إنكم إن أطعتم، رزقكم الله تعالى الإيمانَ، فتستحقون ثواب الأعمال.

وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: ١٧].

وقال تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزمر: ٣٦ - ٣٧].

وقد ذكر الغزاليّ نفسُه أنه كان في أول أمره يشكّ في كل شيء حتى البديهيات [٢/ ٢٢٨] الضرورية الأولية. قال (١): "حتى شفى الله تعالى عني ذاك المرض والإعلال، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضروريات العقلية موثوقًا بها على أمن ويقين. ولم يكن ذلك بنظم دليل


(١) في "المنقذ من الضلال" (ص ٨٦) ط. دار الأندلس.