وأما اللغة فقد كانت في القرن الأول لغةَ العرب عامةً، لا يحتاجون إلى تعلُّم شيء منها، وإنما نزل الكتاب وبُعِث الرسول بلُغتهم التي يَعرِفها صغيرهم وكبيرهم. فلما اختلطتْ بهم الأعاجم، وأوشكت اللغةُ أن تنهدم هيَّأ الله تعالى قومًا قاموا بحفظها وجمعها وضبطها وتدوينها، فاشتغل كل فريقٍ منهم بنوع منها، اعتنَوا به أحسنَ اعتناء، وذلك علم المفردات الذي خُصَّ باسم علم اللغة، وعلم الوضع، وعلم التصريف، وعلم النحو، وعلوم البلاغة، وعلم أصول الفقه، وغيرها. وها هي بين أيدينا ولله الحمد.
وبحفظ الكتاب والسنة واللسان حصلَ حفظُ الدين، وقامت الحجة على العالمين، فإن الكتاب والسنة هما الأصلان اللذان ترجع إليهما الأحكام، إذ الإجماع والقياس ــ على عِلّاتهما ــ راجعانِ إليهما، إذ لابدَّ للأول من مستنَدٍ منهما، وللثاني من أصلٍ لذلك، مع أن الإجماعات التي قد اتفقت محفوظة بنقل العلماء، كما أنهم بينوا طرقَ القياس ووجوهَه، وإن كان حفظ الكتاب والسنة مُغنِيًا عن ذلك.