للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتاب الجرح والتعديل ومَزيَّته

ألّف الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري "تاريخه الكبير" وكأنّه حاول استيعاب الرواة من الصحابة فمن بعدهم إلى طبقة شيوخه، وللبخاري رحمه الله إمامته وجلالته وتقدمه، ولتاريخه أهميته الكبرى ومزاياه الفنية. وقد أعْظَم شيوخُه ومن في طبقتهم "تاريخه"، حتّى إنّ شيخه الإمام إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه لمّا رأى "التاريخ" لأول مرّة لم يتمالك أن قام فدخل به على الأمير عبد الله بن طاهر فقال: "أيها الأمير ألا أريك سحرًا؟ " (١).

لكن "تاريخ البخاري" خالٍ في الغالب من التصريح بالحكم على الرواة بالتعديل أو الجرح، أحسَّ الإمامان الجليلان أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي وهما من أقران البخاري ونُظَرائه في العلم والمعرفة والإمامة، أحسّا بهذا النقص، فأحبّا تكميله.

في "تذكرة الحفاظ" (٣/ ١٧٥) عن أبي أحمد الحاكم الكبير أنّه ورد الري، فسمعهم يقرؤون على ابن أبي حاتم كتاب "الجرح والتعديل"، قال: "فقلت لابن عبدويه الورَّاق: هذه ضُحْكة أراكم تقرؤون كتاب "التاريخ" للبخاري على شيخكم، وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم، فقال: يا أبا أحمد إنّ أبا زرعة وأبا حاتم لما حُمِل إليهما "تاريخ البخاري" قالا: هذا علم لا يُسْتغنى عنه، ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا، فأقعدا عبد الرحمن يسألهما عن رجل بعد رجل وزادا فيه ونقصا".


(١) مقدمة فتح الباري ص ٤٨٤. [المؤلف].