للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُبِلت روايته. وثبت عن مالك ما يوافق ذلك، وقيل عن مالك إنه لا يُروى عنه أيضًا، والعمل على الأول. وذهب بعضهم إلى أنه لا يُروى عنه إلا عند الحاجة، وهذا أمر مصلحي لا ينافي قيام الحجة بروايته بعد ثبوت عدالته. وحكى بعضُهم أنه إذا روى ما فيه تقوية لبدعته لم يؤخَذ عنه (١).

ولا ريب أن ذلك المرويّ إذا حَكَم أهل العلم ببطلانه فلا حاجة إلى روايته إلا لبيان حاله. ثم إن اقتضى جرح صاحبه بأن ترجّح أنه تعمّد الكذب أو أنه متهم بالكذب عند أئمة الحديث سقط صاحبه البتة، فلا يؤخذ عنه ذاك ولا غيره. وإن ترجّح أنه إنما أخطأ، فلا وجه لمؤاخذته بالخطأ. وإن ترجح صحة ذلك المروي، فلا وجه لعدم أخذه. نعم قد تدعو المصلحة إلى عدم روايته حيث يخشى أن يغترَّ بعض السامعين بظاهره، فيقع في البدعة.

قرأت في جزء قديم من "ثقات العجلي" (٢) ما لفظه: "موسى الجهني قال: جاءني عمرو بن قيس المُلائي وسفيان الثوري فقالا (٣): لا تحدّث بهذا الحديث بالكوفة أن النبي عليه السلام قال لعَليّ: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" (٤) ". كان في الكوفة جماعة يغلون بالتشيع ويدعون إلى الغلو، فَكَرِه عمرو بن قيس وسفيان أن يسمعوا هذا الحديث، فيحملوه على ما يوافق غلوَّهم، فيشتدّ شرُّهم.


(١) انظر للأقوال في المسألة "علوم الحديث" (ص ١١٤ - ١١٥) لابن الصلاح، و"فتح المغيث": (٢/ ٥٨ - ٧٠).
(٢) (٢/ ١٨٣ - تحقيق البستوي).
(٣) (ط): "فقال" والمثبت من كتاب العجلي.
(٤) أخرجه البخاري (٣٧٠٦)، ومسلم (٢٤٠٤).