السُّنة وحياطتها= بان له ما يحيِّر عقلَه، وعَلِم أن ذلك ثمرة تكفُّلِ الله تعالى بحفظ دينه. وشأنهم في ذلك عظيم جدًّا، أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها، وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحاديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كتبت لانسدَّ باب تلك العبادة، [ص ٢٢] وقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦].
وثَمَّ مصالحُ أخرى منها: تنشئةُ علومٍ تحتاج إليها الأمة، فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم، إنما جاءت من احتياج المحدِّثين إلى معرفة أحوال الرواة، فاضطروا إلى تتبُّع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم، ثم تَبِعهم غيرُهم.
ومنها: الإسناد الذي يُعْرَف به حال الخبر، كان بدؤه في الحديث، ثم سرى إلى التفسير والتاريخ والأدب.
هذا، والعالم الراسخ هو الذي إذا حصل له العلم الشافي بقضية لزمها ولم يبالِ بما قد يشكّك فيها، بل إما أن يُعْرِض عن تلك المشكّكات، وإما أن يتأمَّلَها في ضوء ما قد ثبت. فههنا مَنْ تدبَّر كتاب الله، وتتبَّع هدي رسوله، ونظر إلى ما جرى عليه العملُ العامّ في عهد أصحابه وعلماء أمته، بوجوب العمل بأخبار الثقات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنها من صُلْب الدين، فمَنْ أعرض عن هذا وراح يقول: لماذا لم تُكْتَب الأحاديث؟ بماذا، لماذا؟ ويتَّبع قضايا جزئية ــ إمَّا أن لا تثبت، وإما أن تكون شاذة، وإما أن يكون لها مَحْملٌ لا يخالف المعلوم الواضح ــ مَنْ كان هذا شأنه فلا ريب في زيغه.