الأولى: الخوارج؛ زعموا أن الآيات المتقدمة أو بعضها تدل على أن طاعة الشيطان شرك بالله، وحملوا ذلك على الإطلاق، فقالوا: إن كل من ارتكب كبيرة فقد أطاع الشيطان، فهو مشرك.
وقد كان يلزمهم أن يطردوا ذلك في جميع المعاصي حتى الصغائر.
وقد علمت الحق، وهو أن الشرك هو طاعة الشيطان في شرع الدين، بأن يوسوس للإنسان أن هذا حلال وهذا حرام، وهذا مقرب إلى الله، وأشباه ذلك، فيطيعه الإنسان، ويتخذ ذلك دينًا بغير سلطان من الله عز وجل.
فأما من يطيعه في شرب الخمر مثلًا، إيثارًا لشهوته، عارفًا معترفًا بأن ذلك الفعل معصية لله عز وجل، ضارٌّ في الدين، سببٌ للخسران المبين، راجيًا أن يوفّقه الله للتوبة= فهذا ليس من الشرك في شيء؛ فإنه لم يطلب بترك الطاعة وارتكاب ذاك الفعل نفعًا غيبيًّا، بل هو عارف معترف بأن ذلك مقتضٍ للضرر الغيبي.
الفرقة الثانية: جماعة من المفسرين وغيرهم؛ لم يحققوا معنى «العبادة»، ولا تدبروا الآيات حق تدبرها، فقالوا: إن هذه الآيات مما جاء على طريق التشديد، وإلا فطاعة الشيطان لا تكون عبادة له، ولا شركًا بالله عز وجل، إلا أن يطيعه في السجود لصنم مثلًا، فيكون ذلك شركًا،
(١) من هنا تبدأ القطعة الثالثة، وفيها استطراد في ردّ شبهة المشركين في قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}. وفي آخره ذكر تأخير البيان عن وقت الحاجة، ثم الضرب الثاني من المجمل (التورية).