للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجساسته وخاطبوهما، ثم عاد حالهما إلى طبيعة الشياطين من الاستتار. وإن كان الدجال إنسانًا فلا أرى ذاك إلا شيطانًا مثل في صورة الدجال؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال في أواخر حياته: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» (١). انظر «فتح الباري» (٢: ٦١) (٢). والحكمة في كشف الله تعالى لتميم وأصحابه عما كشف لهم عنه أن يخبروا بذلك فيكون موافقًا لما كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يخبر به، فيزداد المسلمون وثوقًا به. وهذا بيِّن في الحديث؛ إذ قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد ذكره لتميم: «وحدثني حديثًا وافق الذي كنتُ أحدثكم عن مسيح الدجال» ثم قال: «ألا هل كنتُ حدَّثتكم ذلك؟» فقال الناس: نعم. فقال: «فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة».

وقال ص ١٤٤: (ومن المسيحيات في الحديث: ما رواه البخاري عن أبي هريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن [ص ٩٦] في الحجاب. وفي رواية .... إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخًا، غير مريم وابنها ... ». ثم قال: «وفِقْهُ هذا الحديث الذي سمعه الصحابي الجليل ... حتى الرسل نوح وإبراهيم وموسى وغيرهم وخاتمهم محمد صلوات الله عليه وعلى جميع النبيين. فانظر واعجب).

أقول: أما المؤمن فيعجب من جرأة أبي ريَّة وتحكّمه بجهله على ربّ العالمين أحكم الحاكمين عالم الغيب والشهادة. إن هؤلاء الرسل نُبِّئوا بعد أن بَلَغَ كلٌّ منهم أربعين سنة، وقد آتى الله تعالى يحيى وعيسى النبوّة في


(١) أخرجه البخاري (١١٦)، ومسلم (٢٥٣٧) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٢) لم أجد في الموضع المشار إليه شيئًا، فلعله وقع خطأ في الإحالة. وانظر (١٠/ ٥٥٦).