الحمد لله الذي أرانا بأعيننا ما كنا نتمنّى أن نراه من مظاهر الارتباط والتعاون العلمي بين العلماء، فأصبح علماء الهند يستقبلون وفدًا كريمًا من خيرة إخوانهم علماء مصر، تكلّفوا المشاقَّ والمتاعب حُبًّا في تعرّف أحوال إخوانهم في الهند، وتوثيق عُرى التواصل معهم، تمهيدًا للتعاون معهم فيما يرفع شأن الإسلام والعلم.
كان العلماء في العصور الأولى متواصلين على بُعْد الأقطار وصعوبة الأسفار، فلا تكاد تطّلع على ترجمة رجل منهم إلا وجدت فيها ذِكْرَ ارتحاله في أوان الطلب إلى الأقطار النائية للقاء العلماء والأخذ عنهم، وسياحته بعد التحصيل، وكلما دخل بلدةً سأل عمن بها من العلماء، واجتمع بهم، واستفاد منهم وأفادهم، وبقي يواصلهم طول عمره بالمكاتبة والمراسلة، وكانت المكاتبات لا تنقطع بين علماء الأقطار لتبادل الأفكار في المسائل العلمية.
وفي الجزء الأول من "إعلام الموقعين"(ص ٢٨ وما بعدها) ذَكَر رسالةً من الليث بن سعد إلى مالك تشتمل على عدة مسائل، وفيها ما يدل أنّ المكاتبة بينهما في المسائل العلمية كانت متواصلة.
وهكذا كانت المكاتبة بين الشافعي وأحمد بن حنبل.
في "توالي التأسيس"(١) لابن حجر العسقلاني: "قال أبو ثور: كتب عبدالرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابًا، فوضع له