من نشأ على خلاف الحق يكون قد استولت عليه صوارف عنه، فهو حَرِيّ إذا عُرِض عليه دليلٌ على خلاف رأيه أن لا يمعن النظر فيه، وإذا أمعن أن يغالطه هواه بالشبه، فقد يكون الدليل قاطعًا فيرى أنه ظني، أو ظنيًّا فيرى أنه محتمل.
فينبغي له أن يعرف هذا من نفسه، ويأخذها بالأحوط ــ كما مر ــ، فلعله إذا وطَّن نفسه على ذلك وأخذ بالأحوط أن تذهب تلك الصوارف، فيظهر له حقيقة ذلك الدليل، وأنه قطعيّ أو ظنيّ.
فصل
قد ثبت في الإسلام أن الله عز وجل إنما أنشأ الناس هذه النشأة ليبتليهم، وإذا كان كذلك فمن قَبِل ما ظهر له من الحق وأَخَذ بالأحوط فقد نجح في الامتحان، فهو حقيقٌ بأن يوفّقه الله عز وجل ويرشده، فيتبيّن له أن ما كان يراه ظنيًّا هو حق قطعًا، إما بأن ييسر الله تعالى له ترتيب الدليل الذي كان عنده ظنيًّا على وجهٍ قطعي، وحلّ ما كان يخالفه من الشبهات حلًا قطعيًّا، وإما أن يرشده إلى دليل آخر، وإما بأن يشرح صدرَه وينوّر قلبه، فيحصل له اليقين، وإن كان لا يدري من أين جاء.
وعلى العكس من هذا يكون حال من أبى ما ظهر له من الحق، قال الله تبارك وتعالى (١): [{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ
(١) بيّض المؤلف مكان الآية عدة أسطر، فأكملته بما ظننتُ أنه المراد.