إصابة الحقِّ فيما يمكن اشتباهه تتوقَّف على ثلاثة أمورٍ: التوفيق، والإخلاص، وبذل الوسع.
أما التوفيق، فالتوقُّف عليه ظاهرٌ، وإنما الشأن في سبب حصوله، وقد بيَّنه الله تبارك وتعالى بقوله:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[خاتمة العنكبوت].
والجهاد فيه عزَّ وجلَّ يتضمَّن الأمرين الآخرين، أعني الإخلاص وبذل الوسع، فَعُلِمَ أن حصولَهما سببٌ لحصول التوفيق، وعلى ذلك حجج أخرى، وسيأتي بعضها.
وأما الإخلاص، فهو رغبة صادقة في إصابة الحق لا يعارضها هوًى مُتَّبَعٌ، ومسالك الهوى لا تحصى قد تقدَّم بعضها في الأصل الثاني.
وعلى الناظر في مسألة من المسائل أن يفتِّش نفسه قبل البحث فيها، ثم في أثنائه، مثلًا إذا أردت النظر في حكم الماء القليل تقع فيه نجاسة لا تُغَيِّرُه ففتِّش نفسك قبل البحث فإنها لا تخلو عن حالين، إما أن تودَّ وتشتهيَ واحدًا معيَّنًا مِن الطرفين: التنجُّس وعدمه، وإما أن لا يكون لها ميلٌ إلى ذا ولا ذاك، وإنما تودُّ معرفة الراجح منهما شرعًا، فإن وجدتَها على الحال الثانية فهي حينئذ بريئة من الهوى، وإلَّا كأنْ تجدها تَهْوَى عدم التنجُّس، ففتِّش عن سبب ذلك الميل, وقَوِّمْ نفسك إن استطعت.
فإن وجدتَ السبب هو الرأي المحض كأن تقول: إن النجاسة إذا لامست الماء ولم ينحلّ منها فيه شيء كبعرة مُس بها الماء فأبْعِدَتْ عنه فورًا،