قد ثبت بالثلاثة الوجوه الأولى أن هذا الحديث يدل أنَّهم لم يكونوا قبله مأمورين بالقراءة؛ بل إما أن لا يكونوا أُمِروا بها قط، وإما أن يكونوا أُمروا بها أولًا، ثم نُهوا عنها قبل هذا الحديث.
إذا تقرَّر هذا فقد علمت أنَّ أحاديث وجوب الفاتحة عامة تتناول المأموم وإن جهر الإمام.
وقد نصَّ على وجوبها على المأموم وإن جهر الإمام في حديث عبادة.
فحديث ابن أُكيمة لا يخلو أن يكون قبلها أو بعدها؛ فإن كان قبلها فهو منسوخٌ بها قطعًا، وإن كان بعدها فلا.
فالثلاثة الوجوه المتقدمة توجب أحد أمرين:
إما أن يكون المراد بالقراءة التي سألهم عنها ما يصدق على الفاتحة، ويكون قد سبقه ناسخٌ لوجوب الفاتحة.
وإما أن يُحمل قوله:«هل قرأ معي أحد منكم» على قراءة غير الفاتحة، وتكون القرينة علمهم بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم أنَّ الفاتحة كانت واجبةً عليهم، وأنهم لا يدعونها.
فهذا يمنع أن يستفهمهم هل قرأ أحد منهم ويريد الفاتحة أو ما يصدق بها، ويمنع أن يتعجَّب من المنازعة التي تحصل بقراءتهم الفاتحة.
وإذن يعلمون أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما عنى غير الفاتحة؛ فتدبَّر هذا الكلام جيدًا.