وفي «صحيح مسلم»(١) عن حذيفة: «قال: ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي حُسَيلٌ، قال: فأخذَنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدًا. فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفنَّ إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأخبرناه الخبر، فقال: انصرفا، نَفِيْ لهم بعهدهم، ونستعين الله عز وجل عليهم».
[ص ٧٩] الظاهر من سياق الكلام أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينئذٍ ببدر، فظن المشركون أن حذيفة وأباه يريدانِ أن يأتياه ببدرٍ ليقاتلا معه. ولا أدري هل كانا قاصدين لذلك، عازمين عليه، حتى في وقت قولهما:«ما نريده»، فيكون ظاهر هذا كذبًا، أم كان أصل قصدهما المدينة، وإنما بدا لهما بعد ذلك أن يمرّا على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ببدر؟
هذا، وكان المسلمون ببدر محتاجين إلى من يكون معهم؛ لقلة عددهم.
فقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «انصرفا، نَفِي لهم بعهدهم ... »
واضح الدلالة على وجوب الوفاء، وهو مذهب مالك، ويؤكده مع الأدلة العامة في إيجاب الوفاء بالعهد: أنه لو رخص في عدم الوفاء لشاع ذلك عن المسلمين، وقد يتضرر به جماعة ممن يأتي بعد ذلك يريد المسلمين، فيحبسه الكفار ولا يثقون بعهده.
فأما معاهدة الإمام، فالأمر فيها أشد، ووجوب الوفاء فيها آكد.
وأما المهاجرات في مدة هدنة الحديبية، فإنما أمر الله عز وجل أن لا