وهذه الاعتبارات كثيرًا ما تتعارض لكثرة ما يقع في النسخ القلمية من الأغلاط، ولما يقع للمؤلف نفسه من الخطأ.
وغالب المصححين ينزِّل أحدهم نفسه منزلة النعامة، فتجد في الكتاب الذي يصححه أحدهم كثيرًا من الأغلاط، فإذا قيل له، قال: هكذا كان في الأصل. وتجد فيه مواضع كثيرة قد خالف فيها الأصل، فإذا قيل له، قال: رأيتُها غلطًا، فأصلحتُه.
ويقول بعض الناس: المقصود من طبع الكتب العلمية هو تدارك النسخة أو النسخ الباقية من الكتاب قبل أن تتلف، فيكفي في التصحيح تطبيق المطبوع على النسخة القلمية. فإن تعددت النسخ جُعلت واحدةٌ منها أصلًا، ونُبِّه في الحواشي على مخالفات النسخة أو النسخ الأخرى.
وكأنَّ أكثر أهل المطابع يذهبون إلى هذا الرأي لموافقته هواهم في تقليل النفقات، لأنهم يرون أنه يصلح أن يقوم بهذا العمل رجلان فأكثر، يحسنان القراءة فحسب، ويقومان بتطبيق الأوراق التي يطبع عنها على النسخة الأصل ثم بتطبيق المطبوع عليها في مدة يسيرة، ويقنعان بأجرة زهيدة.
وقد يتراءى للناظر أن هذا العمل ليس فيه مفسدة، وإنما فيه إهمال مصلحة التنبيه على خطأ النسخة الأصل، وخطأ المؤلف. ويؤيد هذا الرأي بأنه إذا حصلت نسخة من ذلك المطبوع بيد رجل كان كأنه حصل له تلك