للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الربا مع الحربي]

أجاز أبو حنيفة رحمه الله أن يُربي المسلم المستأمن في دار الحرب مع من فيها من حربي، أو مسلمٍ أسلم فيها ولم يهاجر، وعلَّله أصحابه بأن مال أهل دار الحرب مباح، وإنما يحرم على المستأمن أن يغدر بهم، وأخذ أموالهم برضاهم ليس بغدر.

وخالفه الجمهور حتى صاحبه أبو يوسف، ومن حجتهم أن تحريم الربا مطلق في الأدلة الشرعية، وقد دلت الأدلة أن فيه حقًّا لله تعالى، ولذلك لا يُحِلُّه رضا مُعطيه في دار الإسلام اتفاقًا.

وقد سمَّى الله الربا ظلمًا، وظلم الحربي لا يجوز ولو برضاه، كما لو رضي حربي بأن يقتله المستأمن.

وقد احتُجَّ لأبي حنيفة رحمه الله بما رُوي أن العباس عم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يُربِي مع المشركين قبل فتح مكة (١)، وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم بذلك ولم ينهه.

وفي هذه الحجة نظر؛ لأن ما حُكِي أن إسلام العباس رضي الله عنه قديم (٢) لم يثبت، ولوجوهٍ أُخر لا حاجة بنا الآن إلى بسطها. والله أعلم.

* * * *


(١) يدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أول ربًا أضعُ ربانا رِبا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كلُّه". أخرجه مسلم (١٢١٨) من حديث جابر بن عبد الله.
(٢) ذكره الحافظ في "الإصابة" (٥/ ٥٧٨) بصيغة التمريض.