ابن عباس:«اللهم فقِّهْه في الدين وعلِّمه التأويل»(١). فعلى الأول يكون المعنى: علِّمه المعاني التي تؤول إليها النصوص، وعلى الثاني يكون المعنى: علِّمه أن يؤوِّل النصوص، أي يبيِّن معانيها التي تؤول إليها.
إذا تقرر هذا، فعلى القول الأول في المتشابه يكون المراد بتأويله: معانيه، وعلى القول الثاني يكون المراد: ما يؤول إليه من الحقائق. فكما أن تأويل الأخبار بالبعث هو البعث نفسه، [٢/ ٣٤٠] فكذلك تأويل الأخبار بأن لله يدين هو اليدان. والعلم الذي ينفرد الله تعالى به في شأن اليدين هو العلم بالكُنْه والكيفية، فأما العلم الإجمالي الذي يتوقف عليه الإيمان بأن لله تعالى يدين على الحقيقة، فهذا يحصل للمؤمنين، وبه يكونون مصدِّقين لخبر الله عز وجل. وبذلك يخلصون من تكذيبه، ويمتازون عن الزائغين المتبعين له ابتغاءَ الفتنة. وبقناعتهم به يمتازون عن الزائغين المتبعين له ابتغاءَ تأويله.
فإن قيل: فإنَّ للمتعمقين أن يقولوا: الصواب عندنا من القولين المذكورين في المتشابه القول الأول، والنصوص التي تتعلق بالمعقولات كلُّها من المجمل الذي له ظاهر، ولا يمكن الوثوق بأن ذلك الظاهر هو المراد، إلا أن يقوم الدليل العقلي على وجوب ذاك الظاهر أو جوازه. ثم نقول: إن كلَّ نص من تلك النصوص يحتاج إلى بيانين:
الأول: بيان صحة ذاك الظاهر أو بطلانه.
الثاني: بيان المعنى المراد.
(١) أخرجه أحمد (٣٠٣٢، ٣١٠٢) وابن حبان (٧٠٥٥) وغيرهما من حديث ابن عباس. وإسناده صحيح. وأصله في «الصحيحين» بغير هذا اللفظ.