[ص ٣٠] على أن تجويز بيع الوفاء هو نفسه من جملة التقصير كما مر، فهو إن دفعَ الضررَ من وجهٍ، شدَّده من وجهٍ آخر.
وأما المعاملات التي ذكروا أن علة التحريم موجودة فيها، وإنما أحلَّها الشارع للحاجة، فقد أجاب عنها صاحب "إعلام الموقعين"، وعروض الحاجة فيها ليس ناشئًا عن تقصير.
وفوق هذا، فالمفاسد التي تترتب على تلك المعاملات خفيفة بالنسبة إلى المفسدة التي تترتب على منعها لو منعت، وليس الأمر ههنا كذلك، فإن المفاسد التي تترتب على بيع الوفاء شديدة، وقد تقدم بعضها، وأشدُّها أنه ربا في القرض. وقد شدَّد الشارع فيه أعظم التشديد، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} إلى قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٥ - ٢٧٩].
وفي الحديث:"الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرُها مثلُ أن ينكح الرجلُ أمَّه". صححه الحاكم وغيره (١)، وفي معناه أحاديث.
(١) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٣٧) والبيهقي في "الشعب" (٥٥١٩) من حديث ابن مسعود. وصححه الحاكم، وقال البيهقي: إسناده صحيح والمتن منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلَّا وهمًا، وكأنه دخل لبعض رواة الإسناد في إسناده.