للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢/ ٣١٥] وأما المطلب الثاني، فإن أراد الرازي أن الأخبار الشرعية فيه قد تفيد العلم اليقيني فيما هي ظاهرة فيه، كما يدل عليه قطعُ الأشاعرة بتنزيه الله عز وجل عن الكذب، مع مصيرهم إلى أنه لا حجة في ذلك إلا النصوص، كما تقدم، وكما يدل آخر كلام الرازي، وسيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى. فهكذا يلزمه في المطلب الثالث، بل هو أولى وأحرى لِتعلُّقه بأعظم أصول الدين، فالخطر فيه أشد، واحتياط الشارع له آكد. ويترتب على التلبيس فيه مفاسد عظيمة، كما مرَّ في الكلام مع ابن سينا.

وأما المطلب الثالث، فقوله: «إن خبر الشارع إذا وافق العقل فالاعتمادُ على العقل، وخبرُ الشارع فضل» قول مردود عليه. بل إن كان الدليل العقلي من المأخذ السلفي الأول فهما دليلان، وإلا فالنص هو الدليل، والقياس التعمُّقي فضلة، كما يُعلم مما تقدم في الباب الأول. على أنه بعد ثبوت صدقِ الشارع بالدلائل العقلية يكون الاحتجاج بخبره احتجاجًا بالعقل.

قوله: «فإن خالفه العقل وجب تقديمُ العقل ... » قول مردود عليه. بل إن كان الدليل العقلي من المأخذ السلفي الأول فهو قرينة صحيحة يُعلم بها أن معنى الخبر خلافُ ما يتراءى منه لولا القرينة. فليس هنا تقديم للعقل ولا للشرع إذ لا تخالُفَ، وإنما هنا حملٌ للخبر على ما هو الظاهر الحقيقي، فإن الخبر إذا اقترنت به قرينة صحيحة تصرف عما يتراءى منه لولاها، فظاهره الحقيقي هو ما يُفهم منه مع القرينة، وهي حينئذ بمثابة كلمة من لفظ الخبر. وإن لم يكن هناك ما يخالف ظاهرَ النص إلا قياس أو أقيسة مما يركبه المتعمِّقون مِنْ أصحاب المأخذ الخلفي الأول، فالواجب تقديم النص، ولاسيما إذا كان قطعيَّ الثبوت كآية من القرآن أو سنة ثابتة قطعًا. وقد تقدم في