للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٥٢] فقوله تعالى بعد ذلك: {مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ليس هو بيانًا لمجمل، كما توهمه بعضهم، فإن البيان كان حاصلًا قبله، ولكنه زيادة بيان وإيضاح.

وفي هذا دليل على عناية الله عز وجل بعباده؛ إذ يبين لهم ما اشتبه على بعضهم، وإن كان بينًا بنفسه لمن تدبر، وفي ذلك ما يوضح قبح دعوى ابن سينا ومن وافقه، كما يأتي.

هذا، وإن كان الحكم كان سابقًا ــ كما يقوله بعض أهل العلم ــ أنه إنما كان يحرم الأكل وغيره بالإسفار، فلم يترتب على خطأ الذين أخطأوا مفسدةٌ؛ لأن تبيُّن الخيطين من الغزل في غير الليالي المقمرة لا يتأخر عن الإسفار.

وقد زعم بعضهم (١) أن الحكم كان هكذا، فنسخ بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ}. وهذا باطل، كما أوضحه ابن حجر في «الفتح» (٢) وغيره.

نعم، لو قيل: كان الحكم سابقًا إلى الإسفار، ثم نسخ بقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ... }؛ لكان أقرب. والله الموفق.

المثال الثاني: ما روي أن نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - اجتمعن عنده يومًا، فقلن له: أيتنا أسرعُ لحوقًا بك؟ فقال: «أطولكن يدًا» (٣). فكن بعد ذلك إذا اجتمعن


(١) مثل الطحاوي في «معاني الآثار» (٢/ ٥٣ - ٥٤).
(٢) (٤/ ١٣٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٤٢٠) ومسلم (٢٤٥٢) من حديث عائشة.