للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يخفى أن الإخلال بالعهد تترتب عليه مفاسد عظيمة جدًّا؛ فإنه يُسقِط الثقة بعهود [ص ٨٣] المسلمين وعقودهم وذِمَمهم، ولا يخفى ما يترتب على ذلك من المفاسد التي لا تحصى.

فأما ما ذكره ابن حجر بقوله (١): «واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار، كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختفٍ عنده، فله أن ينفي كونه عنده، ويحلف على ذلك، ولا يأثم. والله أعلم».

فالضرورة على درجات:

منها: أن يخاف الإنسان على نفسه الهلاك إن لم يكذب، فهذا لا شك أنه يجوز له الكذب الذي لا يضر غيره بغير حق، كالمكره يجوز له الكفر.

ومنها: أن يخشى على نفسه ضررًا، والذي يظهر أنه إن كان ذاك الضرر شديدًا، بحيث لو هُدِّد به الإنسان إن لم يفعل كذا لكان إكراهًا، فمثله يجوز له الكذب الذي لا يضر غيره بغير حق. وأما إن كان الضرر دون ذلك، ففيه نظر.

ومنها: أن لا يخاف الإنسان على نفسه، ولكنه يخاف على غيره، كالمثال الذي ذكره ابن حجر، إذا كان صاحب البيت يرى أنه لا يناله سوء إذا عثر الظالم على الرجل المطلوب مختفيًا عنده، وإنما يخاف على المختفي. والظاهر أنه إن خاف على ذلك الرجل الهلاك أو الضرر الشديد، جاز له الكذب الذي لا يضر غيره بغير حق، وإلا ففيه نظر.


(١) في «الفتح» (٥/ ٣٠٠).