للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقولُ لَه ارْحَلْ لا تُقيمنَّ عندَنا (١)

فإنَّ دلالة الثانية على ما أراده من إظهار الكراهية لإقامته بالمطابقة، بخلاف الأولى (٢)] (٣).

ولا خفاء أنَّ هذا الشرط مُتحقِّق هنا. وفي البدلية هنا نكتة لطيفة، فإنه اشتهر أن المبدَل منه على نية الطرح. وهذا مناسب هنا لأن مِن لازمِ طلب الإعانة إثباتَ قدرة للنفس. وذاك وإن كان حقًّا في الجملة، ولكنَّ المقامَ مقامُ خضوع وتذلُّل، وهو يستدعي إظهار تمام العجز. وهذا تُعبِّر عنه هذه الجملة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فتأمَّلْ! والله أعلم.

[ل ٦٢/ب] والهداية: من هداية الطريق. وقد جاء عن العرب إطلاقُ الهُدَى على الطريق (٤). فإما أن يكون هذا هو الأصل، وإن كاد يُنسَى، والهداية مشتقَّة منه وإن اشتهرت؛ وإما العكس، والله أعلم.

وهداية الطريق في الجملة: الإرشاد إليها، ولكنها تكون على أوجه:

فافْرِضْ أنه رأيتَ عبدًا تائهًا في فلاةٍ فيها سُبُل، وتعلم أنَّ خيره وصلاحه


(١) عجزه:
وإلَّا فكُنْ في السِّرِّ والجَهرِ مُسْلِما
قال البغدادي في "شرح أبيات المغني" (٦/ ٣٠١) إنه لم يقف على قائله.
(٢) "مغني اللبيب" (٥٥٧).
(٣) ترك المصنف هنا بياضًا، ولعل المقصود ما أثبتناه بين الحاصرتين.
(٤) ومنه قول الشمَّاخ يصف أتانًا:
قد وَكَّلَتْ بالهُدَى إنسانَ صادقةٍ ... كأنه من تمام الظِّمْءِ مسمولُ
انظر: "ديوانه" (٢٨١).