للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: إنَّ اللغة تأبى هذا، فإنَّ الدحو إنما عُرِف في اللغة بمعنى البسط، وأيُّ بسط في إخراج الماء والمرعى؟

قلت: قال في «المختار»: ودحا (١) المطرُ الحصى عن وجه الأرض (٢).

وقال الشاعر (٣):

ينفي الحصَى عن جديد الأرض مُبْتَرِكٌ ... كأنَّه فاحصٌ أو لاعبٌ داحي

وهو يدل على صحة ما قلنا: فإن ضاقت الحقيقة فالمجاز واسع.

وهذا القول متعيِّن لأن الله تعالى فسَّره به، وكفى بتفسيره تعالى حجة.

فإن قلت: لا نسلِّم أنَّ قوله تعالى: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} تفسير

لـ {دَحَاهَا (٣٠)}، وإنما هو ــ كما قال الجلال (٤) ــ: «حال بإضمار «قد» أي مُخْرِجًا».

قلت: هذا باطل، لأنَّ قوله: «حال بإضمار قد» يريد أن التقدير عليه: والأرض بعد ذلك دحاها، والحالُ أنه قد أخرج منها ماءها ومرعاها؛ فتكون حالًا محكيَّة، لأنَّ ماضِويَّة الفعل ولاسيَّما مع تقدير «قد» صريحة في أنَّ إخراج الماء والمرعى وقع قبل الدحو، وهذا ظاهر الفساد.


(١) رسمها في الأصل: «دحى». والفعل من باب دعا، وعليه اقتصر الجوهري. ومن باب سعى لغة.
(٢) «مختار الصحاح» (ص ٨٤). يعني: نزَعَه كما في «المحكم» (٣/ ٢٧٥).
(٣) هو أوس بن حجر، من قصيدة تعزى إلى عبيد بن الأبرص أيضًا. انظر: «ديوان أوس» (١٦) و «ديوان عبيد» (٣٥). والمؤلف صادر عن «أضداد ابن الأنباري» (١١١).
(٤) «تفسير الجلالين» (ص ٥٨٤).