تصحيح. فقد جنى على ذلك الكتاب وعلى العلم وأهله، إذ لعله لو لم يطبعه لقُيِّض (١) له من يطبعه طبعًا مصحَّحًا يصح الاعتماد عليه.
هذه أربعة أوجه تُوضِّح فساد الرأي المذكور، وتُبيِّن أن الاقتصار في التصحيح على تطبيق المطبوع على النسخة غير ممكن، وأنه لا يقتصر فساده على أن يبقى في المطبوع ما كان في النسخة القلمية من الأغلاط، بل لابد أن تضاف إلى ذلك أضعاف مضاعفة.
وإذا عرف العالِم في كتاب مطبوع أنه إنما صُحِّح هذا الضربَ من التصحيح لم يمكنه الوثوق بما فيه، لاحتمال تصرُّف المصحح الجاهل، أو غفلته، أو غير ذلك. هذا، مع احتياجه إذا أراد تصحيح بعض الأسماء أو الكلمات إلى مجهود يبذله في مراجعة المظان.
فإذا فُرِض أنه طُبع من الكتاب ألف نسخة، فقد تقع خمسون منها إلى علماء محتاطين، فيحتاج كل منهم إلى مجهود مستقل، لعله لا يتيسر له لفقدِه الكتب التي يحتاج إلى مراجعتها. ولو أن أرباب المطبعة قاموا بذلك لأغنى مجهود واحد عن خمسين مجهودًا.
فأما بقية النسخ، فإنها تقع إلى من يعتمد عليها، وفي ذلك من الفساد ما فيه.
وكثير من الكتب المطبوعة بمصر وغيرها لا يظهر فيها كثرة الخطأ، ويعِزُّ وجود التنبيه في الحواشي، فيظهر من ذلك أن مصححيها يرون أن الواجب إنما هو مراعاة الصحة في نفس الأمر.