أراك تسمع لحديثي ... فقال ابن عباس: إنا كنا مرَّة إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتَدَرَتْه أبصارُنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناسُ الصعبَ والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف».
عَرَف ابنُ عباس أن بُشيرًا ليس بصحابي، ومع ذلك لم يدرك كبار الصحابة، ولعله مع ذلك لم يكن يُعرف بالثقة، وفوق ذلك كان يرسل. لا جَرَم لم يصغ إلى أحاديثه. فأما استعادته بعضها فكأنَّ المستعاد كان أحاديث يعرفها ابن عباس، فأراد أن يصحِّحها لبُشَير إن كان عنده فيها خطأ.
كانت القصة حوالي سنة ستين كما مرَّ، وقد ظهر الكذب بالعراق قبل ذلك كما يُؤخَذ مما يأتي، وبُشير عراقيّ، فليس في القصة ما يخدش في صدق الصحابة رضي الله عنهم، ولا ما يدلّ على ظهور الكذب بعد وفاة النبيِّ بمدّة يسيرة، وقوله في إحدى روايتي طاووس:«تركنا الحديث عنه» يريد تركنا أخذ الحديث عنه إلا من حيث نعرف.
وذكر ص ٤٤ ما في مقدمة «صحيح مسلم»(١) أيضًا عن ابن أبي مُلَيكة: «كتبتُ إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابًا ويُخْفي عنّي، فقال: ولدٌ ناصح، وأنا أختار له الأمور اختيارًا وأُخْفي عنه، قال: فدعا بقضاء عليّ رضي الله عنه [ص ٢٠١] فجعل يكتب منه أشياء ويمرُّ به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا عليّ، إلا أن يكون ضلّ».
أقول: أورد مسلم بعد هذا: «عن طاووس قال: أُتي ابن عباس بكتاب فيه قضاء عليّ ... »، ثم أورد:«عن أبي إسحاق قال: لما أحدثوا تلك الأشياء بعد عليّ رضي الله عنه قال رجل من أصحاب عليّ: قاتلهم الله أيَّ علمٍ أفسدوا».