فقوله:"وما سمع كثيرًا من أبيه" واضح في أنه سمع منه، إلا أنه لم يكثر، وأول عبارته يفيد أن ما لم يسمعه من كتب أبيه وأخباره أخَذَه منه مناولةً، وهي من طرق التلقّي، [ص ٤٦] فعلى هذا تكون روايته عن أبيه متَّصلة صحيحة إن صرَّح بالسماع فسماعٌ، وإلا احتمل أن يكون سماعًا وأن يكون مناولة، والرواية التي ذكرها الخطيب من طريقه ــ ولأجلها تعرَّض له الأستاذ ــ قد بيَّن فيها السماع.
هذا، والسماعُ أصلُه أن يملي الشيخ بلفظه والتلميذ يسمع، لكن قد يطلق السماع على ما هو أعمّ من ذلك، وهذا هو المتبادر من قولهم: فلان لم يسمع من فلان، فيفهم منه أن روايته عنه منقطعة حتى ولو صرّح بالاتصال يكون كذبًا، وهذا هو مفهوم عبارة الأستاذ؛ لأنه قصد بها الطعن في رواية هذا الرجل التي بيَّن فيها السماع، فانظر تحريفه لعبارة الدارقطني!
٦ - محمد بن أحمد الحكيمي.
قال الأستاذ (ص ١١٤): "قال البرقاني: في حديثه مناكير".
أقول: لفظ البرقاني كما في "تاريخ بغداد"(١/ ٢٦٩) و"لسان الميزان"(٥/ ٤٥)(١): "ثقة إلا أنه يروي مناكير" وبين العبارتين فرقٌ عظيم فإن "يروي مناكير" يقال في الذي يروي ما سمعه مما فيه نكارة ولا ذنب له في النكارة، بل الحَمْل فيها على مَنْ فوقه، فالمعنى أنه ليس من المبالغين في التنقّي والتوقِّي، الذين لا يحدِّثون مما سمعوا إلا بما لا نكارةَ فيه، ومعلوم أن هذا ليس بجرح. [ص ٤٧] وقولهم: "في حديثه مناكير" كثيرًا ما تُقال فيمن