وقال آخرون: بل المراد: لا تشدّوا الرحال إلى بقعة من بقاع الأرض تلتمسون فضلَها عند الله تعالى غير الثلاثة المساجد. قالوا: ولا نحتاج لتخصيص طلب الرزق وغيره مما سبق، ويكون النهي بحالِهِ متناولًا لزيارة القبور.
وقال غيرهم: بل الحديث واردٌ في شأن المساجد، أي: لا تشدّوا الرحال إلى مسجد من المساجد تلتمسون فضله غير المساجد الثلاثة، فيكون الحديث خاصًّا بالمساجد.
وأنت خبيرٌ أنَّ ظاهر اللفظ يعيِّن القول الأول؛ إذ التقييد ببقاع الأرض أو بالمساجد خارج عن مدلول اللفظ. وعلى كلِّ حال فالأدلة ثابتةٌ والإجماعُ منعقدٌ على إباحة شدّ الرحال إلى كلِّ مقصدٍ دينيّ أو دنيويّ يحتاج الوصول إليه إلى ذلك.
والظاهر أن المسلم إذا أراد زيارة القبور للغرض المتفق عليه، وهو تذكُّر الآخرة، ولم يكن بالقُرب منه قبور= لم يَحْرُم عليه أن يشدّ رحله لزيارة أقرب القبور إليه، بل لا أظنُّ أحدًا يتردّد في .... (١) أنه مأمور بزيارة القبور لتذكّر الآخرة، والأمر بزيارة القبور [ص ٧] مطلق، والنهي عن شدّ الرحال إلى غير الثلاثة المساجد عام، فهل يقال: إن إطلاق الأمر بزيارة القبور يخصّصُ عمومَ النهي عن شدّ الرحال؟ أو يقال: إن عموم النهي عن شدّ الرحال يقيّد إطلاق الأمر بزيارة القبور؟ أو يقال: إن كان بِقُرْبه قبر تعيّن عليه العمل بالحديثين، بأن يزور القبر القريب منه ولا يشدّ رحلَه إلى غيره. وإن لم يكن