بسندٍ صحيح عن ابن عيينة قال:"كان المقام في سُقع البيت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحوّله عمر، فجاء سيلٌ فذهب به، فردّه عمر إليه"، قال سفيان:"لا أدري أكان لاصقًا بالبيت أم لا؟ ".
هذا بغاية من الصحة عن سفيان بن عيينة؛ كما تقدم أواخرَ الكلام على القول الأول.
[تمحيص هذه الأقوال]
قد يُنتصر للأوّل بأنّ عمر رضي الله عنه لم يكن ليخالف النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وما معنى تقدير المطَّلب وتحرّي عمر؟
فالظاهر أنّ المقام لم يزل بموضعه اليوم، فقدّره المطّلب منه، فذهب به السيل، وطمس موضعه، فجُعل بجنب الكعبة حتى يقدم عمر، فقدم وتحرّى، وردّه حيث كان.
وكأنّ هذه القضية بلغت بعضَ الناس مجملةً أنّه كان بجنب الكعبة، وأنّ عمر نقله إلى موضعه اليوم، فتوهّموا أنّه كان بجنب الكعبة منذ قديم، فراحوا يخبرون بذلك.
ويُنتصَر للثاني بأنّ أولئك الأئمة لم يكونوا ليتوهموا بدون أصل، فلعلّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حوّل المقام أخيرًا، ولم يبلغهم ذلك، وثبت عندهم أنّه قد كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بجنب الكعبة، فاستصحبوا ذلك، والباقي كما مرّ.
ويُنتصَر للثالث بأنّه قد يقع من عمر رضي الله عنه ما هو في الصورة مخالفة، وهو في الحقيقة موافقة بالنظر إلى مقاصد الشرع واختلاف الأحوال، وقد يخفى علينا وجه ذلك، ولكنّا نعلم أنّ الصحابة رضي الله عنهم