[النظر في مطاعن الكوثري على الإمام الشافعي في حواشي "الانتقاء"]
جرت عادة الأستاذ فيما يوكَلُ إليه من تصحيح الكتب التي يُراد طبعها أن يعلّق عليها آراءه بل مقاصده، فيأتي بدواهي! والواجب على ملتزمي الطبع أن لا يمكّنوه من ذلك بعد أن علموا غُلوَّه، فإنَّ فَرْض المصحّح إنما هو تصحيح الألفاظ، فإن كان ولابدّ من تعرّضه للمعاني فليقتصر على ما لا اختلاف فيه بين أهل العلم، لا أن يسعى في تأييد مذهبه وانتقاص غيره. فإن كان لملتزم الطبع هوًى في ذلك فعلى الأقل يقتصر على ما لا يشكّ في تحقيقه.
وقد حَرَصت في كتابتي هذا النقد على أن لا أراجع الكتب التي علّق عليها الأستاذ خوفًا من التطويل، وإن كنت أعلم أنني لو راجعتها لظفرتُ بعِدّة مناقضات للأستاذ، لكن دعت الحاجة إلى مراجعة "الانتقاء" لابن عبد البر، فرأيتُ الأستاذ قد علَّق عليه على عادته، فأحببتُ أن أشير إلى تعاليق الأستاذ عليه وبيان حالها.
فمن ذلك: أن ابن عبد البر بدأ بمناقب مالك ثم الشافعي ثم ذكر أبا حنيفة، فذكر الأستاذ (ص ٩)(١) أن ابن عبد البر اقتصر على هؤلاء كما
(١) (ص ٣٤) من الطبعة التي حققها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، ومما يؤسف له أنه قد أبقى جميع تعليقات الكوثري ورمز لها بـ (ز)، وعلّل إبقاءها بقوله في المقدمة (ص ٢٢): "استمرارًا لطيّب عَرفها وزاكي نفعها"! مع أنه يعلم أن ناشرها الأول الحسام القدسي أوقف الكوثري عن التعليق ص ٨٨ من الكتاب معللًا ذلك بأنه "اطلع على دِخلة في علمه وعمله" ولم يشر لذلك أبو غدة! وكان المأمول أن يُبقي المفيدَ من التعليقات ــ إن كان ــ، ويطوي البساط على باقيها.