الخليفة: فأذن له بالقيام عند حاجته. ثم خلا بمحمد رحمه الله، وقال: إن أمير المؤمنين يدعوك، وهو رجل ملول فلا تُطِل الجلوس عنده، وإذا أشرتُ إليك فقم ... ولما مات أبو يوسف رحمه الله لم يخرج محمد رحمه الله في جنازته».
لكن الفرق يا أستاذ واضح. كان أمام أبي يوسف ومحمد مجلسُ الرشيد، وملاذُّ الدنيا، وبِدَر الدنانير، وتخوت الثياب وغير ذلك. ولم يكن أمام البويطي شيء من ذلك، إنما أمامه مخالفة المالكية والجهمية والدولة، واحتاج أن يُنفق من صلب ماله وقوت عياله، حتى ختم الله تعالى له على أيدي أصحابك بالحسنى وزيادة.
مِن ثناء الأئمة على الحميدي: قال الإمام أحمد: «الحميدي إمام». وقال أبو حاتم:«هو أثبتُ الناس في ابن عيينة، وهو رئيس أصحابه، وهو ثقة إمام». وقال يعقوب بن سفيان:«ثنا الحميدي، وما لقيت أنصحَ للإسلام وأهله منه».
[١/ ٢٩٧] فأما شدةُ الحميدي على أبي حنيفة، فاضطرَّه إليها ما بلغه عنه مما ذُكِر بعضُه في الترجمة، وقد صرَّح الأستاذ نفسه (ص ٣٦) في بعضها أنه كفر صراح، وتلك الحكاية سمعها الحميدي من حمزة بن الحارث بن عمير، يرويها عن أبيه أنه سمعها من أبي حنيفة. وقد روى رجاء بن السِّندي ــ وقد تقدمت ترجمته (١) ــ عن حمزة بن الحارث عن أبيه نحوها كما في الترجمة. وحمزة ثقة عندهم، وكذلك أبوه عند القدماء ــ كما تقدم في