أبو حنيفة، فأجابه أنه جاء من المَصِّيصة ــ الثغر الذي كان أبو إسحاق يرابط فيه لجهاد الروم ودَفْعهم عن بلاد الإسلام ــ فقال أبو حنيفة:«لو أنك قُتِلْت مع أخيك كان خيرًا لك من المكان الذي جئتَ منه».
ومن المعلوم أن أبا إسحاق حَبَس نفسَه غالبَ عمره على المرابطة في الثغر، والتعرّض للشهادة صباح مساء، فلم يكن ليغمَّه قتلُ أخيه إلا لكونه في فتنة، ولا لينقم على من رضي بقتل أخيه إلا لرضاه بما يراه فتنة، ولا ليستعظم قول من قال له:«لو أنك قتلت مع أخيك ... » إلا لما فيه من تفضيل قتال المسلمين في غير كُنْهِه عنده على الرباط والجهاد ودفع الكفار عن بلاد الإسلام.
فهذا وغيره ــ مما يوجد في الروايات الأخرى، منها الرواية التي تقدمت أول الترجمة ــ هو الذي أحْفَظ أبا إسحاق على أبي حنيفة. فإن بلغ ذلك أن يسمَّى عداوة، فهي عداوة دينية، لا تُرَدّ بها الرواية بإجماعهم، كما تقدم في القواعد (١). وسواء أكان الصواب استحسان الخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن وتفضيله على الجهاد والرباط كما رأى أبو حنيفة، أم خلافه كما كان يعتقده أبو إسحاق؟ فإن أبا إسحاق إما مصيب مشكور، وإما مخطئ مأجور. ولا بأس بالإشارة إلى وجهتي النظر:
كان أبو حنيفة يستحبّ أو يوجب الخروج على خلفاء بني العباس لما ظهر منهم من الظلم، ويرى قتالهم خيرًا من قتال الكفار؛ وأبو إسحاق ينكر