[ص ٥٢] أقول: فأما قبول الخبر من الراوي فليس من التقليد الاصطلاحي في شيء، فإنه قبول قول من تقلّده بلا حجة.
والتابعي ــ مثلًا ــ إنما قَبِلَ رواية الصحابي بحجة، وهي إخباره ــ مع ثقته ــ بأنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقس على ذلك.
ولو كان هذا تقليدًا لكان حكم القاضي بشهادة الشهود تقليدًا لهم، وقد كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقضي بشهادة الشهود، وأخبر بأنه إنما يقضي على حسب ما يسمع، أي أنه لا يتوقف قضاؤه على علمه بما في نفس الأمر. فدل ذلك أنه يقضي بشهادة من ظاهرهم العدالة، ولا يتوقف قضاؤه على أن يعلم أن ما شهدوا به حق في نفس الأمر. فلو كان هذا تقليدًا لكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مقلدًا.
وليس الرواية إلا ضربًا من الشهادة، فإن الراوي يشهد على من فوقه أنه قال كيت وكيت مثلًا. وقد قبل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خبر تميم الداري، وحكاه عنه (١).
فإن قيل: نعم، ليس هو من التقليد الاصطلاحي، ولكن يصح أن يسمى تقليدًا.
قلت: لا حرج، ولكن ليس داخلًا في قولهم: المجتهد لا يقلد مجتهدًا، ولا هو في معنى ذلك، وإنما هو قريب من قبول القاضي شهادة العدل.
[ص ٥٣] الشبهة النقليَّة:
خبر الواحد لا يفيد العلم، وقد قال الله تبارك وتعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: ٣٦]، وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا