للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي حنيفة في مجابهة من يعترض عليه بالكلمات الموحشة. فقد يقال: إنه كان يتبرَّم بالمعترضين، ولا يراهم أهلًا للمناظرة، فكان يدفعهم بتلك الكلمات لئلا يعودوا إلى التعرض، غيرَ مُبالٍ بما يترتب على [٢/ ٦٦] ذلك من اعتقادهم. فهل جرى على هذه الطريقة مع أصحابه حتى إن أخصَّهم به وآثرهم عنده وأعلمَهم بمقاصده ــ وهو أبو يوسف ــ لم يتفطَّن لما تفطَّن له الأستاذ؟

فأما حذف الألف في كتابة المتقدمين فيقع في ثلاثة مواضع: الأول: حيث يؤمن اللبس، إما لعدم ما يلتبس به مثل: القاسم بن فلان، سليمان بن فلان، إسحاق بن فلان. فإن هذه الأعلام إذا كتبت بلا ألف لا يوجد ما يلتبس بها. وإما في كتابة القرآن الذي من شأنه أن يؤخذ بالتلقي والتلقين وتعم معرفته، بحيث إذا أخطأ مخطئ لم يلبث أن يُنَبَّه. وإما فيما يصح على كلا الوجهين مثل جبريل و {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. وليس قوله في الحديث: «للفرس، للرجل» في شيء من هذا. اللهم إلا أن يخطئ الكاتب، يسمع «للفارس، للراجل»، فيحسب ذلك مما يجوز تخفيفه في الكتابة فيكتب «للفرس، للرجل». لكنه كما قد يحتمل هذا، فكذلك قد يحتمل أن يخطئ القارئ بأن يكون الكاتب سمع «للفرس، للرجل» فكتبها كذلك، ثم توهم القارئ أن الأصل «للفارس، للراجل»، وإنما حذف الألف تخفيفًا في الكتابة، فيقرؤها «للفارس، للراجل» ويرويها كذلك.

وأما تقديم الحقيقة على المجاز، فالذي في الرواية «جَعلَ للفرس سهمين وللرجل سهمًا» (١)، ولا يتجه في قوله: «للفرس» مجاز، بل اللام


(١) أخرجه بهذا اللفظ مسلم (١٧٦٢) من حديث ابن عمر. وهو بنحوه عند البخاري (٢٨٦٣، ٤٢٢٨).