للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مضروبة في مثلها بدون أن يكونوا من أهل الرأي. وخاصةُ أهل الرأي هي الرغبة عن العناية بالسنة استغناءً بالرأي، وردُّ السنن الصحيحة بمحض الرأي، ومالك رحمه الله تعالى بريء من هذا.

قال أبو مصعب عن مالك: «ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك». وقال حرملة عن الشافعي: «مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين». واتفق الشافعي ومحمد بن الحسن على أن مالكًا أعلم من أبي حنيفة بالكتاب والسنة وآثار الصحابة. وقال ابن عيينة وعبد الرزاق في حديث أبي هريرة مرفوعًا: «يوشك أن يَضْرب الناسُ أكبادَ الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أعلم من عالم المدينة» (١): هو مالك. وما روي عن ابن عيينة أنه قال مرة: «هو العمري العابد» لا وجه له، لأن العمري العابد ــ وهو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر ــ لم يشتهر بالعلم بالمعنى المعروف، بل لم يُعرف به. بل قال ابن حبان: «لعل كل شيء حدَّث في الدنيا لا يكون أربعة أحاديث» (٢). وليس له في الأمهات الست ولا في الكتب الأخرى لأصحابها التي أخذ رجالها في «التهذيب» إلا حديث واحد مرسل في «مراسيل أبي داود» (٣). ولم تُضرب إليه أكباد الإبل، بل لعله لم يرحل إليه بعيرٌ واحد! وإنما كان هو رحمه الله يخرج إلى البراري لتعليم


(١) أخرجه الترمذي (٢٦٨٠) وحسّنه، والنسائي في «الكبرى» (٤٢٧٧) والحميدي (١١٤٧)، وابن حبان (٣٧٣٦) وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) «الثقات»: (٧/ ١٩ - ٢٠).
(٣) (٣٩٢).