وذكر في "الشعر والشعراء" أن طباع الشعراء تختلف، فمنهم من يسهل عليه فنٌ من الشعر كالمديح فيجيد فيه، ويتعسّر عليه غيره، فيجيء شعره فيه متكلفًا غير جيد، وذكر الأسباب والعوارض التي تعرض للشاعر، فمنها ما يبعثه على الشعر ويسهله له، فيجيء شعره مطبوعًا جيدًا، ومنها ما يثبطه وينكده عليه، فيجيء شعره متكلفًا رديئًا.
قال:"وبهذه العلل تختلف أشعار الشاعر ورسائل الكاتب، وقالوا في شعر النابغة الجعدي: "خمار بواف، ومطرف بآلاف"، ولا أرى غير الجعدي إلا كالجعدي، ولا أحسب أحدًا من أهل المعرفة والتمييز نظر بعين العدل وترك طريق التقليد؛ يستطيع أن يقدم أحدًا من المتقدمين المكثرين على أحد، إلا أن يرى الجيد في شعره أكثر منه في شعر غيره".
* اختيار الشعر:
قال في "الشعر والشعراء": "وليس كل الشعر يُختار ويُحفظ على جودة اللفظ والمعنى، ولكنه قد يُختار على جهات وأسباب، منها الإصابة في التشبيه ... ومنه ما يُختار ويُحفظ لأنّ صاحبه لم يقل غيره ... وقد يختار ويحفظ لأنّه غريب في معناه ... وقد يحفظ ويختار أيضًا لنبل قائله" ذكر لكل نوع من هذه أمثلة، وذكر من أمثلة الأول الأبيات التي فيها:
ونَبْلي وفُقَاها كَعَـ ... ـراقيبِ قطًا طُحْل
ثم قال:"وهذا الشعر ممّا اختاره الأصمعيّ لخِفَّة رويه".