اعلم أن اليُمْن والشؤم عند الناس معنيان يكونان في الأشياء، ينشأ عن الأول كثرة الخير، وعن الثاني كثرة الشر. فإذا كان رجلٌ قليلَ المال سيئ الحال نكد العيش فولد له ولدٌ فتوفَّر ماله وحسُنت حاله وصفا عيشه، قال الناس: إن ذلك الولد ميمون. فإذا كبر الولد وكان أبوه يُرسله في حوائجه فينجح في الغالب تأكَّد يمنه. وهكذا كلَّما ازداد نجاحه فيما يحاوله أو يوكل إليه.
وعكس هذا يقال في الشؤم. والناس لا يقصرون هذا على الأناسي، بل يقولون مثله في سائر الحيوانات، بل والجمادات. فترى منهم من يتيمَّن أو يتشائم بالخاتم والعصا والنعل. وإذا سئلوا عن سبب اليُمن والشؤم فأكثرهم يحيله على النجوم. وقد أبطل أهل العلم ذلك. ومنهم مَن يحيله على قدر الله عزَّ وجلَّ. ومنهم من يجحده البتة، ويفسِّر كلَّ ما يراه الناس يُمنًا أو شؤمًا بالأسباب العادية تارةً، وبالاتفاق والمصادفة أخرى.
والحق إثبات اليُمْن والشؤم في الأناسي، وأنه بقدر الله عزَّ وجلَّ لحِكَمٍ، منها ما يظهر لنا ومنها ما يخفى. ولكنه سبحانه وتعالى إذا قدَّر شيئًا هيَّأ أسبابه على ما جرت به سنته. فلذلك يمكن تأويل أكثر ما تراه يُمْنًا أو شؤمًا بحسب الأسباب العادية، إلا أن العاقل المنصف إذا نظر في أسباب الأسباب وأسبابها بان له الحق. وقد عُرف مذهب أهل السنة في تقدير السعادة