الحمد لله الذي بسط الأرض للأنام، وقدَّر فيها أقواتَها على ما اقتضته حكمتُه من النظام، وتولَّى قِسمتَها وقسمةَ ما فيها بينهم بشريعته، فقال سبحانه: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: ٧ - ٩]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فقد سألني بعض الإخوان عن حكم البيع الذي يقال له بيع الوفاء وبيع العهدة إلى غير ذلك من الأسماء، وهو شائع في بلاد حضرموت وكثير من البلدان. فراجعتُ بعض ما تيسَّر لي من كتب علماء حضرموت، فرأيت في "بغية المسترشدين" عن فتاوى الحفيد عبد الله بن الحسين بافقيه: "بيع العهدة [المعروف صحيح جائز، وتثبت به الحجة شرعًا وعرفًا على قول القائلين به، وقد جرى عليه العمل في غالب جهات المسلمين من زمن قديم، وحكمت بمقتضاه الحكام، وأقره مَن يقول به من علماء الإسلام، مع أنه ليس من مذهب الشافعي، وإنما اختاره مَن اختاره ولفّقه من مذاهب للضرورة الماسة إليه، ومع ذلك فالاختلاف في صحته من أصله في التفريع عليه لا يخفى على من له إلمام بالفقه](١) "(ص ١٣٣).
فأحببتُ أن أعرف حقيقة التلفيق المذكور، فوجدتُ في "ترشيح
(١) وضع المؤلف هنا نقطًا، وقد أكملت العبارة من المصدر المذكور.