للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: أنَّهم سقط إليهم عن أهل الكتاب أنَّهم يطلقون قولهم: "أبناء الله" على بعض الموجودات، فإنَّها تطلق في التوراة وغيرها بمعنى: المختارين لله (١).

الرَّابع: أن العرب كانوا يرون العاقر ــ وهو مَنْ لا يولد له ــ معيبًا ناقصًا.

قال علقمة بن علاثة لعامر بن الطفيل، يفخر عليه: "إني لَوَلُود، وإنَّك لعاقر" (٢).

وقال عامر نفسه:

لَبِئس الفتى إن كنتُ أعورَ عاقرًا ... جبانًا فلا أُغني لدى كلِّ مَشْهَد (٣)

فرأوا أنَّه ينبغي لهم أن ينزِّهوا ربهم عزَّ وجلَّ عن هذا العيب في زعمهم.

فأمّا سبب اختيارهم له سبحانه الإناث فهو أنَّهم يعرفون من عادتهم أنَّ الولد الذكر يشارك أباه في ملكه، حتى لقد يتغلَّب عليه، وأمّا الأنثى فهي كَلٌّ على أبيها، ليس لها شيء من ملكه، حتى إنَّهم لا يورِّثونها منه، وهي عندهم مستضعفة لا شأن لها مع أبيها ألبتَّة.

فاختاروا أن يقولوا: إنَّ لله عزَّ وجلَّ بنات؛ ليكونوا قد نزَّهوه عن العقر، بدون أن يلزمهم أن يشركوا معه في الملك والتدبير.


(١) راجع: "إظهار الحق" ج ٢ ص ٩ ــ ١٢. [المؤلف].
(٢) "خزانة الأدب" ج ٣ ص ٤٩٢. [المؤلف].
(٣) كذا ورد البيت في "الزاهر" لابن الأنباري (١/ ٥٩٧)، ولكن بلفظ: "فما أغنَى" والبيت من قصيدة رائيةٍ مفضلية، وروايته في "ديوانه" (ص ٦٤)، و"المفضليات" (ص ١٧٣)، و"الشعر والشعراء" لابن قتيبة (١/ ٣٣٤) وغيرها:
فبئس الفتى إن كنت أعور عاقرًا ... جبانًا فما عذري لدى كل محضرِ