للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقدِّمة

الشفاعة في اللُّغة مأخوذة من الشَّفع، وهو مقابل الوتر، ويقال (شفَعَه) أي: انضمَّ إليه، فصار معه شفعًا.

قال الراغب: "والشفاعة الانضمام إلى آخر، ناصًرا له وسائلًا عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمةً ومرتبةً إلى من هو أدنى" (١).

أقول: وكأنَّ (شَفَع) ضُمِّن معنى سأل ورغب، فقولهم: (شفعتُ لزيدٍ إلى فلان) كأنَّ تقديره: شفعتُ زيدًا سائلًا له قضاء حاجةٍ راغبًا إلى فلان، وقولهم: (شفعت إلى زيدٍ في فلان) كأنَّ أصله: شفعتُ فلانًا راغبًا إلى زيدٍ في شأنه.

إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كلَّم بريرة بعد أن أعتقتها زوجته عائشة أن تقيم مع زوجها، فقالت: أتأمرني؟ قال: "لا، إنَّما أنا شافعٌ". قالت: لا حاجة لي فيه (٢)! فلم يلمها النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في ردِّها شفاعته.

ويعلم من هذا أنَّ الشافع ينزل نفسه منزلة من يرغب في حاجةٍ لنفسه، إن شاء المشفوع إليه قبل، مكرمًا له، وإن شاء أبى. وأنَّه ليس من شأن الشافع أن يغضب على المشفوع إليه إذا أبى، ولا يتكدَّر منه، وإلَّا لم يكن شافعًا بل آمرًا.

وعُلِم منه أيضًا أنَّه ليس من شرط الشفاعة أن تكون من أدنى لأعلى،


(١) "مفردات القرآن" (٤٥٧).
(٢) أخرجه البخاري (٥٢٨٣) وغيرها، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.