للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[س ٧٠/ب] قلت: الشرك أن يعبد المرء غيرَ الله تعالى سواء أعبد الله تعالى معه أم لا. وتسميته شركًا في الصورة الثانية وجهها: أن الله تعالى معبود في الكون، يعبده ملائكته ومَن شاء من خلقه، فلما جاء هذا الشخص وعبد غيره فقد وُجد معبودان: أحدهما المعبود بحق، وهو الله عزَّ وجلَّ، والآخر المعبود بباطل، أعني معبود [س ٧١/أ] ذلك الشخص، فهما شريكان في العبادة بالنظر إلى الوقوع في الجملة، فصحَّ أن يُسمَّى ذلك المعبود الآخر شريكًا، وعابدُه مشركًا (١).

وأما قول المؤمن: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، فإنه يريد ــ والله أعلم ــ لا شريك له في (٢) الألوهيَّة أي في المعبوديَّة بحق.

فأما قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} [الرعد: ٣٣] فلا أراها في الأصنام، وذلك أنَّ (ما) مِن قوله {بِمَا لَا يَعْلَمُ} لم يُرَدْ بها ــ والله أعلم ــ ذوات الشركاء، وإنما أريد بها العلمُ بأن له شركاء.

[س ٧١/ب] والباء في قوله تعالى: {بِمَا} تحتمل وجهين:

الأوَّل: أن تكون هي المعدِّية لـ (نبّأ)، وعليه فلا يكون المراد بلفظ (ما) الشركاء؛ لأن المنبَّأ به لا يكون إلا نبأً أي خبرًا وأمرًا من الأمور، لا ذاتًا من الذوات، كما قال تعالى: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: ٣٦]، {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ}


(١) انظر توجيه حسين بن محمد النعمي لمثل هذا الإشكال في معارج الألباب ٢/ ٦٦٠ - ٦٦٢.
(٢) تكرَّرت "في" في الأصل.