وأشد من ذلك إن استعملها في إثبات الأحكام، كأَنْ يستخبر في صيام يوم معيَّن، أَمِنَ السُّنَّة هو أم لا؟ فيخرج الفأل بأحدهما على خلاف الدليل الشرعي، فيقع في الحيرة؛ لأنَّه يزعم أنَّ الفأل بمثابة أمرٍ من الله عزَّ وجلَّ، وهو كاذب في هذا الزَّعم، مخطئ في تفاؤله.
هذا الضَّرْب من التَّفاؤل الذي هو من باب الاستقسام بالأزلام، قال الله عزَّ وجلَّ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة: ٩٠].
ولكن انظر إلى ما شَرَعَه الله عزَّ وجلَّ لعباده عوضًا عن ذلك، وهو الاستخارة الشرعية، فيصلِّي ركعتين من غير الفريضة، ثم يدعو الله عزَّ وجلَّ فيقول:"اللَّهم إنِّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنَّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علَّام الغيوب، اللَّهم إن كنت تعلم أنَّ هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ــ أو قال: عاجل أمري وآجله ــ فاقدره لي ويسِّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنَّ هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ــ أو قال: في عاجل أمري وآجله ــ فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به" قال: "ويسمِّي حاجته"(١).
فهذا هو النُّور والهُدى الذي لا يوقع في حيرة ولا ارتباك، ولا فيه دعوى أنَّ الله أمر أو نهى، وإنَّما فيه دعاء يرجو العبد أن يستجاب له.
(١) أخرجه البخاري (١١٦٢) وغيره، من حديث جابر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلِّمُنا الاستخارة في الأمور كما يعلِّمُنا السُّورة من القرآن، يقول: إذا هَمَّ أحدُكم بالأمر فلْيَركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: .. " وذكره.