وثانيها: أن الظاهر عدم هذا المحتمل بدليل عمل الإمام الآخر بما يوافق ذلك الدليل.
وثالثها: بحث العالم البحث الواجب حتى يغلب على ظنه المحتمل، ولاسيَّما وأدلة الشريعة في هذه الأزمنة مدوَّنة مخدومة ميسَّرة، ولاسيَّما مع تيسُّر جمع الكتب بهذه المطابع. فمن المعلوم أن مَن جمع الأمهاتِ الستَّ و"مسند" الإمام أحمد وغيرها من كتب السنة المطبوعة الآنَ كان عنده من الأحاديث ما لم يكن عند أحد الأئمة المتقدمين، بل هذا المتعيَّن في بعض الأحاديث بعينه.
هَبُوا أنه لا يَسُوغ لنا اختيارُ أحد القولين على سبيل الاجتهاد لعدم التأهل له في زعمكم، فما تقولون في اختيار أحد القولين أو الأقوال على سبيل التقليد؟ ويكون الاختيار لما ظهر رجحانه بموافقة الدليل الراجح، فإن علماء التقليد إلّا من شذَّ يقولون: إن للإنسان أن يُقلِّد من شاء من الأئمة في حقّ نفسه، ويتجزَّأ التقليد، وهذا هو الذي لا ينبغي غيره، لما هو معلوم من عمل السلف الصالح، حتى الأئمة الأربعة أنفسهم، فلم يكونوا يُلزِمون العاميَّ أن لا يستفتيَ إلا عالمًا واحدًا.
واستثنى بعضهم ما إذا كان بقصد تتبُّعِ الرخص، فإنه لا يجوز. وصرَّح بعضهم بجواز تتبُّع الرخص أيضًا، وتتبُّعُ الرخص لا يتأتَّى إلّا فيما إذا كان التقليد بحسب الهوى والتشهّي، أما إذا كان اتباعًا لما يُرجِّحه الدليل ــ كما هو الفرض في مسألتنا ــ فلا يتأتى ذلك. وشرطَ آخرون أن لا يُؤدِّي تجزِّي التقليد إلى التلفيق بحيث تتركَّب قضيةٌ لا يقول بها كلٌّ من المقلَّدين، كأن يقلِّد الشافعيَّ في عدم نقض الوضوء بخروج الدم، ويقلِّد أبا حنيفة في عدم