النقض بمسِّ الذكر، ويريد أن يعمل بهما في وضوء واحد، قال: لأن وضوءه باطل اتفاقًا. وأجازه بعضهم، وهو المتعيِّن، كما يقتضيه إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم. يأتي العاميُّ أحدَ العلماء فيسأله عن مسألة في نواقض الوضوء مثلًا، فيفتيه، ثم يأتي عالمًا آخر، فيسأله عن مسألة أخرى في نواقض الوضوء أيضًا، فيفتيه، فيذهب فيعمل بهما معًا، وقد يكون ذلك تلفيقًا على ما وُصِف، كأن يُفتِيَه الأول بعدم النقض بخروج الدم، والثاني بعدم النقض بمسّ الذكر، ويكون الأول يرى النقض بمسِّ الذكر، والثاني يرى النقض بخروج الدم. بل ربما تتركب من العمل بمجموع الفتاوى صورة باطلة إجماعًا من حيث جملتها، فقد كان العاميُّ في تلك القرون معرّضًا لهذا، والعلماء ــ الصحابة ومَن بعدهم ــ لا يخفى عليهم مثل هذا، ولم يأمر أحدٌ منهم أحدًا من العامة الاحتراز عن ذلك.
فإن قيل: لكن الفتوى في تلك القرون كانت ببيان الدليل كما ذكرتم، فكان العامي في حكم المجتهد، فكما أنه لا بدعَ في قول المجتهد بعدم النقض بالأمرين مثلًا تبعًا للدليل، وإن كان لم يسبقه أحدٌ من المجتهدين إلى القول بذلك، بل بعضهم يرى عدم النقض بالأول ويرى النقض بالثاني، وبعضهم بالعكس، فكذلك العامي في الفتوى المبيَّن فيها الدليلُ.
فالجواب: أن كلامنا مبني على التنزل في جواز التقليد، والقائلون بجواز التقليد يزعمون أن العمل بهذا النوع من الفتيا تقليد، وأن عامة السلف كانوا مقلِّدين لعلمائهم، وبهذا يتم لنا الاستدلال بذلك على جواز تجزِّي التقليد وجواز التلفيق.