إذا تقرر ذلك فمعنى الحديث أنه أُمِرَ أن يقاتلهم حتى يشهدوا ... إلخ فإذا فعلوا عصموا ... إلخ.
بقي ما إذا نقضوا شهادتهم إما بجحد الشهادتين معًا أو الاتيان بما يخالف شيئًا من مقتضاهما، وذلك كأن يعتقد إنسانٌ أن الله جل جلاله قد يكذب ــ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا ــ مثلًا، وكذا تجويزه أن الأنبياء أو أحدًا منهم يكذبون. ومن هذا ما نص عليه الفقهاء من إنكار آية من كتاب الله تعالى أو زيادة آية فيه غير البسملة فيهما. وهذا كثير مفصل في باب الردة من كتب الفروع، وإنما قد يقع الاختلاف في بعض الجزئيات هل هو مخالف لشيءٍ من مقتضى الشهادتين، فمن ذلك قول الإمام أحمد: إن ترك الصلاة ــ[ص ٩٢] والعياذ بالله ــ كفر ولو مع عدم جحد وجوبها. وقال غيره ــ كالإمام الشافعي ــ: ليس الكفر إلا جحد الوجوب، فالإمام أحمد رحمه الله رأى أن مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وجوب امثال أمره، وأنه من البعيد أن يشهد الإنسان أن لا إله إلا الله شهادةَ حقٍّ ثم يخالف أمره، فكان يقتضي ذلك أن مَن خالف أمر الله تعالى فقد برهن على أن شهادته مدخولة، وبعبارةٍ أصرح فقد خالف مقتضى الشهادة.
ولكن عَلِمَ الله سبحانه وتعالى ضَعْف ابن آدم وأنه معرّض لعدة عوامل (١)، كالشهوة والخوف والغضب وغيرها، فعفَا عما عفا عنه، فوجب أن نتبع الأدلة لنعلم ما عفا الله عنه وما لم يعفُ عنه، فلما تتبَّعْنا الأدلة وجدنا العفو عن اللمم قبل كلِّ شيء، ثم نظرنا في بقية الأشياء، فوجدنا من حيث