وهذا يستلزم أنه لم يكن المتصرِّف في الكون؛ لأن التصرُّف يتوقّف على العلم، ولو كان صلى الله عليه وآله وسلم هو المتصرّف لكانت دعوتُه إلى الله تعالى وجهادُه ونَصَبُه وتعبُه وابتهالُه إلى الله تعالى بالدعاء ونحو ذلك عَبَثًا!
وإذا كان المعتزلةُ وغيرُهم لم يسلِّموا أن الله تعالى هو الذي يخلق أفعالَ العباد حين فِعْلِها لما يلزم على ذلك من جَعْل إنزال الكتب وإرسال الرسل عبثًا لغير حكمة، ففي مسألتنا أولى؛ لأن غاية ما أجاب به الأشعريةُ قولهم: إن الله تعالى لا يُسأل عما يفعل، وهذا الجواب لا يتأتّى في مسألتنا، فإن الآدميّ مكلّف على كلّ حال، وإذا كانت الأشعريةُ نفت نِسبة الأفعال إلى فاعلها المحسوس إلّا مجازًا، فما بالك بنسبة الفعل إلى مخلوق آخر غير فاعله المحسوس؟!
وأما قصة الخَضِر فليس فيها ما يُسْتغرب أصلًا؛ أمّا خَرْق السفينة فإن مثله في شرعنا يجوز للإنسان في مال موليّه. وأما قَتْل الغلام فإن مثله كان جائزًا في شريعة الخَضِر، بل رُوي عن ابن عبّاس (١) ما يدلّ أن مثله جائز في شَرْعِنا لولا أن شرطه ــ وهو العلم بأنه لو عاش لأرهق أبويه طُغيانًا وكفرًا ــ محال؛ إذ لا يُعلَم ذلك إلّا بإعلام الله تعالى، وقياسُ قول مَن يقول بالمصالح المرسلة لا يأباه. وأما إقامة الجدار فليس فيها شيء.
(١) أخرجه مسلم (١٨١٢) في كتاب ابن عباس رضي الله عنهما إلى نجدة الحروري، وفيه: «وكتبتَ تسألني عن قتل الولدان، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقتلهم وأنت فلا تقتلهم، إلا أن تعلم منهم ما علم صاحبُ موسى من الغلام الذي قتله .. ».