للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدّم الله تعالى في الآيتين "الطّائفين" على "العاكفين" و"المصلين"، والتقديم في الذكر يُشعِر بالتقديم في الحكم، فقد بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في السعي بالصفا، وقال: "نبدأ بما بدأ الله به" (١)، وبدأ في الوضوء بالوجه.

فيؤخذ من هذا أنّ التهيئة للطائفين أهمّ من التهيئة للعاكفين والمُصلّين.

فعلى هذا يُقَدّم الطائفون عند التعارض، ولا يكون تعارضٌ عند إقامة الصلاة المفروضة جماعةً مع الإمام؛ لأنّ الواجب عليهم جميعًا الدخولُ فيها، وإنّما يمكن التعارضُ بين الطائفين وبين العاكفين والمصلّين تطوّعًا.

وإذْ كان المسجد ــ بحمد الله ــ واسعًا، وسيزداد سعةً، فإنّما يقع التعارض في المطاف، كما إذا كثُر الطائفون، وكان في المطاف عاكفون ومصلّون تطوّعًا، وضاق المطاف عن أن يسعَهم جميعًا بدون حرجٍ ولا خلل.

فإن قُدِّم بقرب البيت العاكفون والمصلّون، وقيل للطائفين: طوفوا من ورائهم، كان هذا تأخيرًا لمن قدّمه الله، ولزم منه (٢) الحرج على الطائفين، لطول المسافة عليهم، مع أنّ الطواف يكون فرضًا في الحجّ والعمرة، وإذا خرج العاكفون والمصلّون عن المطاف، وأدّوا عبادتهم في موضع آخر من المسجد، زال الحرجُ والخللُ البتّة.

* * * *


(١) أخرجه مسلم (١٢١٨) ضمن حديث جابر الطويل.
(٢) ط: "فيه"، والتصويب من المخطوطة.